برهان الشاوي: لا فضائية عراقية نعتمد عليها كمصدر خبري

الصفحة الرئيسية > تجربة > برهان الشاوي: لا فضائية عراقية...

برهان الشاوي: لا فضائية عراقية نعتمد عليها كمصدر خبري

 

منتظر القيسي

بُرهان شاوي، شاعر وروائي وسينمائي ومترجم وأكاديمي عراقي من مواليد 1955. درس السينما في موسكو، والإعـلام في ألمانيا، ثم التاريخ والعـلوم السياسية في جامعـة موسكـو الدولية لعلوم الاجتماع في روسيا.

أصدر أكثر من عشرين كتاباً، تأليفاً وترجمة، حيث ترجم من الروسية: أوسيب ماندلشتام: مختارات شعرية ونثرية، منشورات الجمل. يوسف برودسكي: مختارات شعرية ونثرية، دار المدى. آنــا آخمـاتوفـا: قداس جنائزي وقصائد أخرى، دار الكندي. كما ترجم عن الروسية: لغة الفن التشكيلي، وعن الألمانية: تمارين اللياقة الجسدية للممثل، الله والعلم، وموسوعة الكون. 

بيت الإعلام العراقي التقى الدكتور برهان الشاوي وأجرى معه هذا الحوار عن تجربته الممتدة في عالم الصحافة.

بدأ اسمك بالظهور على صفحات الجرائد حتى قبل أن تكمل عامك السابع عشر، كيف تأتى لك ذلك؟

 دخلت عالم الصحافة من خلال الشعر.. كان ذلك العام 1971، كنت قد بدأت في مراهقتي بكتابة المقطوعات النثرية تقليداً لجبران خليل جبران والمنفلوظي، ثم أخذت أكتب الشعر.. وكان دخولي إلى عالم الصحافة من خلال نشري لقصائدي الأولى في الصحافة آنذاك..كنت حينها أعيش في مدينتي (الكوت) قبل انتقالي في ما بعد إلى بغداد..ثم تطور الأمر إلى كتابة المقالات النقدية وعروض الكتب..وهكـذا شيئا فشيئا توغلت في عالم الصحافة..وهذا الأمر ليس بغريب على عالم الصحافة في العراق والعالم العربي وربما العالمي، فالصحافة عندنا اعتمدت كثيراً على الأدباء والشعراء والكتاب في تسييرها وإدارتها، وكان الصحافي من غير حقل الأدب موجـود أيضاً فتاريخ الصحافة العراقيـة يشهـد على وجـود هؤلاء أيضا.. وأعتقـد أن المشهـد الإعلامي لا يزال حتى يومنا هذا بنفس التراتبية.. فمعظم كتاب الأعمدة والمقالات في الصحافة العراقية هم من الأدباء والكتاب والشعراء.. فيما بعد أخذت أعمل في الصحافة وأنشر في عدد من الصحف والمجلات العربية، إلى أن درستها بعد سنوات أخرى بشكل أكاديمي وصرت أدرّسها في الجامعات أيضا وألّفت فيها الكتب الأكاديمية المتخصصة.

عاصرت فترة الجبهة الوطنية التي قيل الكثير عنها وعن ما أنتجه التنافس بين الحليفين اللدودين من طفرة على صعيد الغناء والمسرح والتلفزيون والسينما، فهل تأثرت الصحافة إيجابا بذلك المناخ التنافسي أم أن ما يشاع عن ذهبية عقد السبعينيات ليس سوى إحدى أساطيرنا المدينية؟ ماذا يقول برهان شاوي في شهادته على تلك الحقبة؟

 لا يمكن الحديث عن فترة السبعينات كعقد متجانس سياسيا واجتماعيا في أحداثه..فنصفه الأول كان مختلفا عن منتصفه وعـن نهايته، ففيه شهـدنا تأميم النفط، والاتفاق على الحكم الذاتي، وإعلان الجبهة الوطنية، والانقلابات الداخلية ضمن حزب البعث، ثم الانقضاض على الجبهة الوطنية، وإزاحة رئيس الجمهورية البكر واستلام صدام حسين للسلطة، وهو عقد الاغتيالات للشخصيات السياسية المعارضة التي كانت غير منسجمة مع سلطة البعث حتى وهي داخل تنظيماتها الحزبية، حيث تم اغتيال كل القادة السياسيين الشيوعيين الذين عارضوا التحالف مع البعثيين، بل وحتى داخل حزب البعث حيث جرت التصفيات الجسدية لبعضهم، كما هو عقد الحرب على الشعب الكوردي وارتكاب مجازر مهولة أبرزها حملـة تسفير الكورد الفيليين في بدايـة السبعينات، ومذبحـة (قلعة دزه) التي هـي لا تقل بشاعة عن مجزرة (حلبجة) في نهاية الثمانينات.. كما هو عقد تصفية القياديين البارزين من الكورد في بغداد ممن انشـقوا على القيادة الكوردية..وهـو أيضاً عقـد الحملات الشرسة ضد حزب الدعـوة وإعـدام الوجوه الفكرية التي كانت موجودة في (كلية أصول الدين) بعرصات الهندية في بغداد، وغيرهم من الذين تحدوا السلطة في النصف الثاني من السبعينات بالخروج للزيارات وإقامة الشعائر الحسينية، لذلك ليس من السهل الحديث عـن هـذا العقـد وكأنـه وحدة منسجمة، لكنه أيضا كان من العقود التي شهدت تطوراً اقتصاديا لافتا وتطويرا للبنى التحتية. بالتأكيد انعكس ذلك على التعليم الجامعي والصحافة والنشر والمد السياسي الاجتماعي.

وكما قلت كانت هناك تحولات سياسية، حيث أخـذت الصحافـة الكوردية تصدر بالعربيـة في بغداد مـن خـلال جريدتي (التآخي) ثم (العراق) ومجلات كوردية مهمة، كما صدرت صحيفتان للحزب الشيوعي هما (طريق الشعب) التي بدأت أسبوعية ثم تحولت إلى يومية، و(الفكر الجديد) التي بقيت أسبوعية وكذلك مجلة (الثقافة الجديدة)، وصدرت مجلة (الأيمان) من كلية أصول الدين إلى جانب مجلات حزب البعث الحاكم مثل (آفاق عربية) و(الطليعة الأدبية) و(الأقلام) ناهيك عن صحيفتي(الثورة) و(الجمهورية).

وتبنت وزارة الثقافة والإعلام العراقية مشروع (ديوان الشعر العربي) الذي صدرت من خلاله عشرات الدواوين الشعرية العراقية والعربية. وقد ساهمت هذه الصحف في تأجيج الحراك الثقافي والإعلامي بلا شك.. لكن نهاية هذا العقد أو النصف الثاني منه بدأ بالحرب على الكورد ونقض اتفاق بيان (11 آذار)، وإعـدام الشيوعيين المتهمين بالتنظيم في الجيش ..واعتقالات الوجـوه الشيعيـة البارزة مـن المنتمين لحزب الدعوة..عدا أن العراق صار قبلة لليسار العربي الذي التجأ إليه من بطش حكوماته لاسيما بعد اتفاق (كامب ديفيد) حيث توجه عشرات المثقفين المصريين إلى العراق من ضمن مئات الألوف من المصريين..وغيرهم من البلدان العربية الأخرى، وهؤلاء غادروا العراق في النصف الثاني من هذا العقد..لذلك الحديث عـن عقد السبعينات يحتاج إلى تفصيل وتقويم موضوعي يتوقف عند جميع التحولات التي جرت فيه دون أن يطلق حكما مطلقا بالسلب أو الإيجاب وبشكل متعجل. 

 في نهاية السبعينيات أغلق النظام آخر الصحف المستقلة بعد أن أحكم قبضته على الدولة، متسبباً بهجرة أعمدة الثقافة والأدب من اليسار العراقي، فهل كانت تلك الأحداث مفاجئة أم أن السياق العام كان يشي بأنها كانت النهاية المحتومة؟

اعتقلت في تشرين الثاني من العام 1978 وعذبت إبان الحملة على الشيوعيين وعلى أعضاء حزب الدعـوة. وكدت أموت في السجـن، بتهمة الانتماء إلى الحـزب الشيوعي، بينما حينها لم أكن منتميا حيث كنت قد قضيت ثلاث سنوات في الخدمة الإلزامية بالجيش..وبعـد تسريحي من الجيش بفترة قصيرة اعتقلت، حتى شارفت على الموت في المعتقـل نتيجـة الحروق التي عمّت جسدي، فألقي بيّ عنـد باب بيتنا، ومن تلك اللحظة اختفيت في بيوتات مختلفة في منطقة الكاظمية والشعلة، ثم أخذت أتنقل بين المدن العراقية من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب ومن شرق البلاد حتى غربها متنقلا متخفيا عن أعين المخابرات، إلى أن استطعت الهروب مشياً على الأقدام إلى سوريا ومنها إلى بيروت.. وهـذا ما تناولته في ما بعد في رواياتي (متاهة الأشباح).. حالي كان كحال مئات الكتاب والفنانين الصحافييـن العراقييـن من مختلف مشاربهم الفكرية ومرجعياتهم..وبالمناسبة..لم تكن هناك أية صحف مستقلة في العراق كي يغلقها نظام البعث..كلها كانت تصدر وفق اتفاقات سياسية من النظام، وقد أُغلقت بعد انتفاء الإنفاق السياسي وهيمنة صدام بشكل مطلق على السلطة..فالصحافة غبر البعثية كانت صحافة حزبية أيضا. 

 أكان المنفى اضطراراً لا مناص منه؟ وهل كان نقمة أم نعمة بالنسبة لشاب من الكورد الفيلية؟

كما أوضحت.. اعتقلت وعُذبت، ولم أقُتل في المعتقل من التعذيب لأني كدت فعلا أن أموت إلا أن المنشورات السرية التي كان الشيوعيون واليساريون يوزعونها قد تحدثت عن اعتقالي آنذاك، لذلك كان هناك بعض التروي في تصفيتي، لاسيما وأن الجبهة الوطنية بين الشيوعيين والبعثيين كانت لا تزال قائمة، إلى جانب أن سياسية المخابرات كانت تقوم بتعذيب المعتقل وحينما يشارف على الموت تطلق سراحه ليتعافى لأسبوع أو أكثر قليلا ثم يعاد اعتقالـه..أي أنها كانت حرب نفسية وجسدية مرعبة..لكني منذ الساعة الأولى لإلقائي عند باب الدار ككومة من اللحم البشري المحروق، تم إخفائي في بيوتات سرية لناس بسطاء من أقربائي. بعدها بأشهـر تمكنت من الهـروب مشيـا على الأقدام..وهذا يعني أني كنت مضطراً ولا مناص لي...وطبعا كان ذلك نعمة أن أواصل الحياة، فمئات الألوف من الشبان والرجال والنساء غيبوا في السجون والمعتقلات ولم نعرف لهم أثراً، ودفنوا أحياء، وذوبوا في حامض النتريك (التيزاب)....وبالمناسبة..أنا لم أعتقل لأني كوردي فيلي وإنما لأني كنت معروفا كيساري وناشط طلابي منذ بدايات السبعينات.. ولقد كنت في المنفى حينما تم تهجير أهلي جميعهم إلى إيران..حيث لدي الآن عددا من القبور في إيران، قبر أمي وأبي وأخي الشاعر فرج حسيني وأخي الأكبر شاكر..ويعيش الآن هناك أبناؤهم وأحفادهم مثلما تعيش أخواتي هناك. 

في محطتك البيروتية القصيرة عدت للعمل الصحافي، فأين كان ذلك وكيف كان الوضع مقارنة بالعراق؟ خوف مضاعف من الحرب ومن عيون المخابرات العراقية؟

 في بيروت عملت في القسم الثقافي بمجلة (فلسطين الثورة) المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية..وكانت السفارة العراقية وجهاز مخابراتها نشيطة جدا هناك، حيث تم اغتيال بعض الوجوه السياسية العراقية النشيطة أمثال عادل وصفي (خالد العراقي) سكرتير تحرير مجلة (فلسطين الثورة) بينما كان يوصل صباحا ابنته الصغيرة إلى روضتها، كما اغتالوا بعض العراقيين الذين لم نعرف عنهم سوى الأسماء الحركية مثل (فهد) و(عبد الجبار) وغيرهم..وبعد وقوفي أمام منظمة العفو الدولية شارحا مظاهر التعذيب في العراق، وصدور منشورات منظمة العفو متحدثة عن ذلك، قررت الأجهزة المخابراتية إدراجي ضمن قائمة المرشحين للتصفية الجسدية والاغتيال..وهذا ما ألزم ضرورة مغادرتي لبيروت، فتركتها ذاهبا إلى موسكو في منحة دراسية.

سافرت إلى موسكو عام 80 لدراسة السينما، لماذا السينما بالذات أكانت لك علاقة سابقة بالسينما أم أنك أحببت تجربة إيصال كلمتك عبر الفن السابع خصوصا وأن أطروحتك كانت عن الأكراد في السينما والسينما الكردية في تركيا وإيران والعراق؟

 حين وصلت الاتحاد السوفيتي اكتشفت أن تخصصي هو الصحافة، لكني في السنة الأولى وفي فترة دراستي للغة غيرت تخصصي إلى السينما، وقدمت امتحانات القبول في معهد السينما بكييف أول الأمر، ثم في موسكو بعد ذلك..وقبلت في كلا المعهدين لكني قررت الانتقال لموسكو، وهكذا درست في معهد (فكيك) السينمائي الشهير..فقد كانت السينما حلما رافقني منذ مراهقتي..وحينما أتيحت لي الفرصة لدراستها لم أتردد في ذلك أبداً.

قضيت معظم عقد الثمانينيات في موسكو فهل مارست العمل الصحفي أم كانت فترة انقطاع عن عالم الصحافة؟ خصوصا وأن الحرب العرقية الإيرانية فرضت ما يشبه الحصار عربيا وعالميا على المثقفين العراقيين المعارضين للنظام السابق؟

 لم أنقطع عن العمل الصحفي، لكني نشطت في مجال الصحافة الثقافية، وبحكم الوضع الدراسي وضيق إمكانيات الصحافة العربية هناك، إلا تلك التابعة للمؤسسات السوفيتية والتي يعمل فيها عرب وروس كموظفين، فقد كنت أمارس الصحافة من خلال هيئة تحرير المجلة الطلابية لرابطة الطلبة العراقيين لعموم الاتحاد السوفيتي..وكذلك في الصحيفـة التي يصدرها المعهد السينمائي أسبوعيا بالروسية، كما كنت أتواصل مع المجلات العربية التقدمية في مصر واليمن الديمقراطية والمجلات الفلسطينية والطليعة الكويتية، كما كنت أساهم في النشاطات والندوات الفكرية التي تفضح النظام الدكتاتوري في العراق آنذاك.

عدت واقتربت من عالم الصحافة حين عملت للتلفزيون في محطتك الألمانية وفيها شكلت فرقة مسرح زاغروس من الممثلين العرب والأكراد والأتراك. صحافة فسينما فتلفزيون فمسرح، عن ماذا كنت تبحث؟

 بعد انتهاء دراستي كنت مضطرا لمغادرة موسكو..ولم يكن أمامي حينها سوى التوجه لألمانيا الاتحادية لاجئا آنذاك..وهناك بدأت نشاطي الفني والثقافي والأدبي، وبحكم الإمكانيات المتاحة هناك فقد أخذت أجرب في مجالات ثقافية متعـددة..فأسست فرقـة مسرحية أخرجت لهم بعض المسرحيات، كما درّست السيناريو والتمثيل للطلبة في ورش تأهيلية خاصة، وعملت في التلفزيون الألماني- القناة الثالثة WDR، كصحافي تلفزيوني حر..وعملت بعض الأفلام الروائية والوثائقية القصيرة..وكتب روايتي الأولى (الجحيم المقدس) التي بسببها حصلت على " منحة الكاتب الألماني (هاينريش بول) للكتاّب الأجانب في المنفى”، وترجمت بعض المجموعات الشعرية عن الروسية..وأصدرت مجموعة شعرية أيضا.. نعم لقد جربت كل وسائل التعبير الأدبي والفني. 

احتلت الفضائيات العراقية موقع الصادرة من حيث العدد حتى اندلاع ثورات الربيع العربي، ومع ذلك فشلت فشلا واضحا في الوصول إلى المشاهد العربي، ما أسباب ذلك برأيك كمدير سابق لواحدة من أولى القنوات الفضائية العراقية؟ 

 بعد سقوط النظام الدكتاتوري واحتلال العراق من قبل أميركا حدث في العراق انفجار إعلامي على مختلف الصعد..فغياب الرقابة ووفرة الأخبار والأحداث السياسية والاجتماعية، والحرية السياسية التي كانت أقرب إلى الفوضى، ساعدت على تطور الإعلام العراقي من ناحية الكم..لكن الإعلام العراقي ظل متخلفا على مستوى النوع..

وبرغم الإمكانيات الهائلة المتوفرة لديه..فهو إعلام حزبي غير مستقل.. إعلام غير مهني ويفتقد الحرفية..والمصداقية.. وعلى الرغم من أن شبكة الإعلام العراقي تعتمد على ميزانية كبيرة جداً تعادل فضائيات متعددة إلا أن هذه الشبكة لا تستطيع منافسة فضائيات عراقية محلية مثل (الشرقية)، فكيف بها أن تنافس الفضائيات لديها موقف من العملية السياسية في العراق كالجزيرة والعربية وغيرها!.

لم يكن الوضع العراقي مستعداً لهذا الكم الهائل من وسائل الاتصال الجماهيري، إذاعة وتلفزيون وصحافة. ففي العراق كما أذكر أكثر من 700 صحيفة ومجلة ودورية، وأكثر من 100 محطة إذاعية للموجة القصيرة (أف أم)..وبحدود 8 محطة من الموجة الطويلة (أي أيم) وأكثر من أربعين فضائية. وهذا يعني أنك تحتاج لآلاف الإعلاميين كي يقوموا بتغطية عمل هذه المؤسسات، ولكن لحاجة هذه المؤسسات للكوادر لذا فقد تغلغل إليها من لم يدرس الإعلام ولم يمارسه سابقا..ومع الأسف ، وبرغم مرور أكثر من عقد من الزمان على هذا الانفجار الإعلامي في العراق فلا يزال الإعلام العراقي لا يستطيع أن يتصدى لأبسط الشائعات الاجتماعية والسياسية التي تروج في المجتمع العراقي، فكيف له أن يتصدى للإعلام المعادي للعراق؟

وأعتقد أن أحد أسباب، وليس السبب الرئيس، لهذا الأمر هو وجود صحافيين ممن ليست لهم دراية بالإعلام المرئي والمسموع على رأس المؤسسات التلفزيونية..فهم لا يفقهون شيئاً في اللغة البصرية..لا في اللقطة ولا حركة الكاميرا ولا في طبيعة الكادر البصري، وجل ما يفهمونه هو مضمون الخبر وانحيازه الأعمى للسلطة..أو استرضاء صاحب المال والسلطة والمتنفذ في تلك الوسيلة الإعلامية إذا لم تكن حكومية.

لحد الآن لا توجد فضائية عراقية واحدة يتم الاعتماد عليها كمصدر خبري من قبل وسائل الإعلام العربية والعالمية، ليس السبب في عدم حرفيتها وحسب وإنما لفقدانها المصداقية، ولركاكة برامجها وعدم مهنية خطابها الإعلامي أيضا، ولسذاجتها وارتباكها من الناحية البصرية.

إن انتصار داعش إعلاميا على إعلام الحكومة العراقية وأحزابها المساندة لها ليس بسبب سياسة الرعب والصدمة الذي يشكل جوهر إعلام داعش فقط، وإنما لتخلف الإعلام العراقي بكل مؤسساته المساندة للحكومة، ولفقدانه المصداقية، ولا مهنيته.

وإذا ما أرادت الحكومة العراقية أن تنتصر على داعش فعليها تغيير كل طاقم شبكة الإعلام العراقي، وإعادة النظر بتعامل شبكة الإعلام مع بقية الفضائيات العراقية وتنظيف هذه الشبكة من المتلاعبين بمقدراتها، وإعادة النظر بمقدمي أخبارها وبرامجها وتغيير وجوههم..والارتقاء بالخطاب الإعلامي وإعادة النظر بكل مكاتب شبكة الإعلام في الخارج..وأنا هنا أركّز على شبكة الإعلام العراقي لأن الإمكانيات المتوفرة لها توازي ما متوفر لقنوات عربية مهمة كالعربية والحدث والأم بي سي وربما الجزيرة!.

من خبرتك كصحفي وكأستاذ زائر مهتم بوسائل الاتصال الجماهيري ولك مؤلف من سلسلة محاضرات عنها، كيف تقيم حالة النكوص التي شهدها الإعلام العربي بعد تعثر ثورات الربيع العربي وتراجع الكثير من الفضائيات الرائدة عن تمثل الموضوعية والحرفية، وعودتها إلى انتهاج أساليب التعبئة والتهييج التقليدية؟

ليس هناك حالة نكوص في الإعلام العربي، لأنه ببساطة كان ولا يزال في جانب كبير منه إعلام سلطة..حكومي مباشر وغير حكومي، يبدو مستقلا لكنه ممول من الحكومات..ومن ناحية أخرى أرى أن الإعلام العربي، بعد ما يُسمى ب(الربيع العربي) الذي لم يكن ربيعا أبداً وإنما اندفاعات تاريخية وانفجارات نتيجة القمع السلطوي العربي، قد تطور كثيرا لاسيما بعد دخول الفيسبوك كوسيلة للتواصل الاجتماعي والإعلامي واستخدام الانترنيت والمواقع الإلكترونية والإيميل العابر للقارات والحواجز والرقابة السلطوية..أما وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية كالصحف والفضائيات فهي كانت ولا تزال تعاني من عدم حرفيتها وعدم التزامها بأخلاقيات العمل المهني الإعلامي وستبقى كذلك لأن مرسلها ورسالته وقنواته لا يريدان سوى إخضاع الجمهور المستقبل، لذلك يرتبون أجندتهم وفق ذلك..كان الإعلام العربي سابقا هو إعلام التهييج والتعبئة ولا يزال لكن الخطاب اختلف..كان قوميا وصار طائفيا..

توليت منصب رئيس هيئة الإعلام والاتصالات لعدة سنوات وخرجت منه في الفترة التي سيطر فيها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على الهيئات المستقلـة. غالبية الجمهـور لا يعرف اختصاصات الهيئة ولا عدد أمنائها، وهناك لغط كبير في الوسط الصحفي حول أهلية أمناء الهيئة لشغل مناصبهم الذي يقال بأنهم يحضون برتبة وراتب ومخصصات مدير عام، ناهيك عن الاتهامات الموجهة إليها بالانتقائية والكيل بمكيالين مع وسائل الإعلام العراقية. ما الذي ينصح به برهان الشاوي بعد تجربة امتدت لعدة سنوات كرئيس للهيئة، فك الاشتباك بين الجانب التقني وبين الجانب الإعلامي المهني أم إلغاء الهيئة كليا؟

كُلفت بإدارة هيئة الإعلام والاتصالات في النصف الأول من العام 2009 وتم إنهاء تكليفي في نهاية العام 2011.. ولكي أكون منصفا، وأقولها للتاريخ..أن من سعى لإزاحتي من موقعي هي شركات الاتصال العاملة في العراق، وبعض الكتل السياسية التي لم أخضع لابتزازها، وهنا أشير إلى الجميع، كوردا وعربا، شيعة وسنة، إلى جانب المطامع الشخصيـة لبعض الأفراد في مجلس الأمناء الذين كانوا على خلاف معي حول تفسير صلاحياتهم وصلاحيات المدير العام التنفيذي.. وقد أنهى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تكليفي بعد أربعة أشهر من مغادرتي للهيئة إلى ألمانيا.

هيئة الإعلام والاتصالات من الهيئات المهمة في بلد رُشّح بأن يكون واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط..، لكنه تحول إلى كابوس مرعب..وبالتالي فأن هذه الهيئة لا يمكنها إلا أن تكون جزءً من المشهد السياسي في العراق..أما في ما يخص مجلس الأمناء فقانون الهيئة الذي أقره الحاكم المدني بريمر يشير إلى أن يكون عددهم تسعة أعضاء من ذوي الاختصاصات ومن لهم إلمام بالقوانين، وحينما كنت أنا مديرا تنفيذيا للهيئة كانوا سبعة أعضاء، ورواتبهم ودرجتهم هي (وكيل وزير) أي أعلى من درجة (مدير عام)..كما أن (مدير الهيئة التنفيذي العام) يفترض أن يكون بدرجة وزير على غرار رؤساء الهيئات المستقلة الذين هم بدرجة وزير.

والحقيقة أن (الهيئات المستقلة) هي حكومة أخرى في الظل لم ينتبه لها أحد! فصلاحيات أي هيئة مستقلة هي صلاحيات (وزارة)، وعدد هذه الهيئات المستقلة في العراق تجاوز 22 أثنين وعشرين هيئة مستقلة، أي 22 وزير !! إلى جانب مجلس الوزراء الرسمي الحكومي..بعض هذه الهيئات المستقلة تابع مباشرة لرئاسة الوزراء وبعضها الآخر دستوريا يجب أن يخضع للبرلمان لكن بما أن قوانين هذه الهيئات لم يقر من قبل البرلمان لذا فأنها تتبع رئاسة الوزراء في تعييناتها.

  • بيت الاعلام العراقي

    رصد تسلل مصطلحات "داعش" إلى أروقة الصحافة

    أصدر "بيت الإعلام العراقي" سلسلة تقارير رصد فيها المصطلحات المستخدمة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش" في حملاته الدعائية والتي تسللت بصورة واسعة إلى التغطية الصحفية لوسائل الإعلام المختلفة.

  • ماڵی ڕاگەیاندنی عێراقی

    ڕووماڵی دزەکردنی چەمك ودەستەواژەکانی "داعش" بۆ ناو ڕاڕەوەکانی ڕۆژنامەگەری

    "ماڵی ڕاگەیاندنی عێراقی" زنجیرە ڕاپۆرتێكی بڵاوکردۆتەوە كە تیایدا ڕووماڵی ئەو چەمك ودەستەواژە بەكارهاتووانە دەكات لە هەڵمەتەكانی ڕاگەیاندندا لەلایەن ڕێكخراوی دەوڵەتی ئیسلامی ناسراو بە "داعش" كە ئەم چەمك ودەستەواژانە بە شێوەیەكی بەر فراوان دزەی كردووە بۆ ناو ڕووماڵە ڕۆژنامەگەرییەكانی دەزگا جۆراوجۆر وجیاوازەكانی ڕاگەیاندن.

  • The killing of journalist Shireen Abu Akleh must be condemned

    The Palestinian journalist was shot and killed on Wednesday 11 May while she was on duty covering the occupation’s illegal actions in the Palestinian city Jenin. IMS condemns what looks like a extrajudicial execution and calls on all human rights organisations and democratically minded States to do the same.

  • منظمة تمكين النساء في الاعلام

    في اليوم العالمي لحرية الصحافة: 91 % من الصحفيات العراقيات يواجهن صعوبة في الحصول على المعلومات

    كشفت نتائج استبيان أجرته منظمة تمكين النساء في الاعلام ان 91 % من الصحفيات العراقيات يواجهن صعوبة في الحصول على المعلومات مما يعرقل عملهن ويشكل تحديا كبيرا للمهنة.

كيف تقرأ الصحف اليومية العراقية؟

  • النسخة الورقية
  • النسخة الألكترونية