الناشر المنتظر
الصفحة الرئيسية > أفكار > الناشر المنتظر

لا يكفي أن تكون صحافياً محايداً. لن يتحقق ذلك من دون مؤسسة من القطاع الخاص، وناشرٍ بمالٍ ذكي يشاكس السياسة ولا يخرج، مشروطاً، من حساباتها المصرفية.
لا يكفي أن تفخر بالكتابة المهنية تحت مانشيت غير مهني يوصي به زعيم الجماعة أو الحزب. في النهاية، عليك انتظار ناشر يستثمر في حيادك، ويؤثر في مزاج الناس، ومعادلات الحياة السياسية.
الأمثلة العراقية على المؤسسات الممولة من المال الخاص نادرة لكنها شجاعة وجريئة، على رغم أن مغامراتها تنتهي قبل أن تبدأ، أو تجهض بعد حين من اكتشاف تأثيرها، أو أنها تبقى مجمدة إلى حين.
إنها أمثلة على محاولات صحافيين عراقيين خوض السباق بفرس حرة. لا أظنها ستتوقف، لكنها حتي الساعة من دون ملامح أو مقدمات على أن ناشراً منتظراً سيصل هنا يوماً ما.
هذا الناشر يحتاج إلى صحافيين يقنعوه بأن الاستثمار الإعلامي لا يشبه وضع الأموال في حمولة أخبار وقصص ومقالات لتباع أخيراً في دكان ما، منذ العدد "صفر". يحتاج إلى صحافيين يجروه إلى ملعبهم، حيث الصبر قبل المال، والتزاحم بين حيتان الميديا، من دون توقع الكثير من "دولار واحد" تحرقه غرفة أخبار في خبر عاجل.
علينا انتظار ناشر "عراقي" يتورط في التأسيس، ويقبل شروط البدايات، يسجل بواكير مؤسسات تعمل بناشر أو "أسهم"، وبمجالس إدارة تضبط الحياد، وتفوز في نهاية المطاف منبراً يحج إليه الباحثون عن المعلومات، وأراء من خارج الصندوق. ربما منابر تغير مزاج الناخبين، تدلهم على خياراتهم السياسية وتساعدهم على اتخاذ قرارات مستقلة. إنها مؤسسات منابر الغالبية الصامتة، تقف خارج الخارطة لكنها ترسم خطوط طولها والعرض.
لكن الناشر يحتاج، أيضاً، صحافيين يجيدون اللعبة. إنه ينتظر منهم إدراك الكتابة في مؤسسة تمول من طاقم من المساهمين، ينتظرون التفرد والتميز وقوة التأثير. يبحثون عن منبر مشاكس بأخلاقيات عالية، يحتال على فوضى اعلام التعبئة، ويتفوق عليه.
هذا الناشر المنتظر، ينتظر صحافيين يقدمون وعداً على مؤسسة يصل منتوجها مكاتب صناع القرار، وغرف معيشة الناس.
بين هذا الناشر وأولئك الصحافيين، يبقى الجمهور مستسلماً لإعلام الصدى، ومنابر تترجم الاستقطاب في هذا البلد، مثلما يعكس الحال جماعات وملل تصنع رأياً عاماً برسائل الفتن والتحشيد على العنف.
بعد عشر سنوات من الكتابة الصحافية في ظل مكاتب الأحزاب، سوى تجارب نادرة أفلتت نفسها من تلك القبضة، لم يحسم الوسط الصحافي العراقي السؤال الكبير عن مؤسسات مستقلة يمولها مال خاص، مال يُبذل من أجل الصحافة لا من أجل ما ورائها.
لم نجتهد كثيراً في حوار بين رؤوس الأموال الوطنية وصناع صحافة حقيقية، لم يستمع الطرفان إلى مخاوف بعضهما، وإلى حاجات كل منهما، لم يُظهر الجميع رغبة حقيقية في إنتاج نماذج صحافية من أجل الجمهور تكسر قواعد اللعبة السائدة.